أحدهما أنها إنما جاءت مُؤَدِّية معنى التعجُّب على غير اطِّراد يُقاس على مثله، فصارت من قَبيل المسموع الذي لا يُقاس عليه، إلا (فَعُلَ) في نحو: لَقَضُوَ الرجلُ، فإنه اطَّردَ. وقد ذكَره الناظم بعدُ فلم يُهمله.
والثاني أن معنى التعجُّب في أكثرها ليس بالصِّيغة والبِنْية والوضَعْ الأصلي، وإنَّما هو في الأكثر مفهومٌ من فَحْوى الكلام (?)، وبِساط التَّخاطب. وإذا كانت دلالتها على التعجُّب من خارجٍ، ولم تَنْضَبط لصِيَغ معيَّنة مطَّرِدة لم يَعْتبرها، من جهة أن قصد النحويِّ عَقْدُ القوانين فيما يمكن عقدُها فيه. وما تقدَّم ليس من ذلك، إلا (ما أَفْعَلَه) و (أَفْعِلْ بِه) فإنهما صيغتان مختصَّتان بهذا المعنى، راجعتان إليه، فلذلك اقتصرَ عليهما، وضَمَّ إليهما صيغةَ (فَعُلَ) إلحاقاً بهما، لا أنه أصلٌ في باب (التعجُّب) فأتى به آخِراً ولم يُصَدِّر به إشعاراً بعدم الأصَالة، ولم يَتركه لا طِّراده،
ومن هنا صدَّر الجُزُولِيُّ (?) باب (التعجُّب) بالاعتذار عن هذا السؤال، فقال: للتعجُّب الذي يُبَوَّب له في النَّحو لفظان (ما أَفْعَلَهُ) و (أَفْعِلْ بِه) فاعتذر كما ترى قبل ايراد السؤال، عِلْماً بأنه مما يُوَرد مثلُه على النَّحوي.
ونظير هذا بابُ (التَّوكيد) حين تكلَّموا فيه على الألفاظ المخصوصة كالنَّفْس والعَيْن وأخواتهما، وتركوا التَّبويَب على ما عداها من عبارات التَّوكيد وأدواته؛ لأن تلك الألفاظ المختصَّة مُنْضَبِطه للدخول تحت القوانين، وما سواها لا يَنْضبط في الأكثر، ولا يَجرى على مَهْيَع واحد (?).
وقد ألحق ابنُ مالك بتلك الألفاظ أشياء كما ضَبَطها قانونُ القياس.