ومثال (ما) مقدَّرةً مع الفعل قولُك: أَكْرِمْ زيداً كإكرامِكَ عمراً، فالتقدير: كما أكرمتَ عمراً.
وفي القرآن الكريم: {فاذْكُرواُ الله كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أو أَشَدَّ ذِكْراً (?)} فلو كان المصدر لا يتقدَّر بالفعل مع أحد هذين الحرفين، ولا يصلح أن يَحُل معهما محلَّه- لم يَجُز أن يعمل عملَه مطلقا. وذلك المصدرُ المؤكِّد، والمبيَّن. إذ لا يصح إذا قلت: ضربتُه ضَرْباً بـ (أن ضربتُ) ولا (ما ضربتُ). وكذلك إذا قلت: ضربتُه ضربَتَيْنِ- لا يصلح في موضعه (أن) والفعل، ولا (ما) والفعل.
وكذلك قولك: مررتُ به فإذا له صَوْتٌ صَوْتَ حمارٍ- لا يصح أن ينتَصب ((صوتَ حمار)) بـ ((صوتً)) الأول، إذ ليس معناه: فإذا له يُصَوَّتَ. وإنما المعنى: فإذا له تَصْويت، أي هذا الفعل المذكور، فانتصب ((صوتَ حمارٍ)) على فِعْل من معنى ((له صَوْتٌ)) لا من لفظ ((صًوْت))، وبينهما فرق.
فأما إذا كان المصدر يصلح أن يحل محلَّه الفعل، لكنه لا يصلح أن يقدَّر معه (أن) ولا (ما) فقد مَرَّ من كلامه أنه يَعمل مطلقا عملَ فعله، لكن بالنِّيابة لا بنفسه، بخلافه هنا، كقولك: ضرباً زيداً، وأضرباً أخاك؟ وما كان نحو ذلك (?).
وفي هذا الكلام إشارة إلى أن هذا المصدر هو العمل في المعمولات بعده، وليس الفعل هو العامل. وهذا كأنه مُتفَق عليه، بخلاف نحو: ضَرْباً زيداً، وسَقْياً لزيدٍ، وما أشبهها، فإنه مُخْتَلف فيه. وقد تقدم بيان ذلك في ((باب