وإنما هذا التقسيم بالنسبة إلى وضع اللفظ بعينه، لا بالنسبة إلى اشتراك اللفظ بسبب الإعلال التصريفي، فإن ذلك عارض، كـ (من) الجارة مع: (من) أمرًا من: مان يمين، و (في) الجارة مع (في) أمرًا للمخاطبة من: وفي يفي، وكذلك ما أشبهه، فليس المراد هذا، وإنما المراد ما كان فيها في أصل الوضع عومل معاملة الحرف والاسم، أو معاملة الحرف والفعل والمعنى واحد، وعلى هذا التقسيم بني الناظم كلامه هنا.
وهذه الحروف تقدم منها في باب الاستثناء: خلا، وحاشا، وعدا، ويختص منها بباب القسم: الواو، والتاء، فأحكامهما مستوفاة هناك، ولم يذكر هنا من أحكامهما إلا بعضًا: وهو ما يتعلق بهما من حيث هما حرفا جر، وأما ما يتعلق بهما في القسم، فلم يذكره في هذا النظم؛ إذ ترك باب القسم جملة، فلم يبوب عليه فيه أصلًا، وهو ضروري الذكر كسائر الأبواب؛ بل الضرورة إليه أشد من الضروري إلى باب الإخبار.
وما أدري ما الذي صده عن ذكره؟ وعلى كل تقدير فالأحرف الجارة في القسم هي هذه، وما / يتعلق بها من أحكام الجر قد ذكره.
فإن قيل: فقد نقصه من حروف القسم الجارة (من)، فإنك تقول: من ربي لأفعلن، إما على أن (من) وضعت موضع الباء. والأصل: (بربي). وإما على أن المعنى: من أجل ربي، وكذلك: مـ الله لأفعلن، على أن أصلها الواو، كأنه قال: والله لأفعلن.
فالجواب: أن (من) أصلها عنده (أيمن)، فهي مما غير في القسم، وكذلك: مـ الله، فهي أسماء لا حروف؛ فلذلك لم يذكرها. والله أعلم.
ثم لما عدها أتى قبل ذكر أحكامها التفصيلية المختصة بكل حرف بأحكام لها