وقوله: (مبين) يعني أنه يبين غيره ويفسر ويوضحه وكذلك التمييز؛ إذ هو مبين لما استبهم من الذوات، كما أن الحال مبينة لما استبهم من الهيئات، فيفترقان في أن الحال مبينة للهيئات، والتمييز مبين للذات، ويجتمعان في أن كل واحٍد منهما مبين لشيء مستبهم، واحترز بذلك مما قد يجيء في الكلام من الأسماء وفيه معنى (من) لكنه ليس بمبين لغيره ولا مفسرًا، كذنبا في قول الشاعر - أنشده سيبويه -:
أستغفر الله ذنبًا لست محصيه ... رب العباد إليه الوجه والعمل
فإنه يصدق عليه أنه اسم بمعنى (من)، ولم ينتصب على التمييز، لأنه لم يقع هاهنا مبينًا لشيء غيره، وإنما وقع في الكلام لأنه المحل المستغفر منه، كما يقع المفعول به في الكلام، ولا يقال في المفعول: إنه مبين ومفسر لغيره، وإن قيل ذلك فعلى معنى تعيين [محل] وقوع الفعل خاصة، وبهذا القيد [أيضًا] يخرج له اسم لا العاملة عمل إن؛ إذ كان اسمًا بمعنى من؛ لأن معنى قولك: لا رجل في الدار، لا من رجٍل في الدار، من حيث كان نفيًا لقولك: هل من رجٍل في الدار؟ وقد نطق به الشاعر فقال:
فقام يذود الناس عنها بسيفه ... وقال: ألا لا من سبيٍل إلى هند