لما كان الحال خبرًا من الأخبار، وكان الخبر يتحد تارة، نحو: زيد قائم، ويتعدى أخرى، نحو: زيد ناظم ناثر، وعالم شاعر- كان الحال كذلك أيضًا، فيجوز أن يتعدد كما كان ذلك في الخبر، فتقول: لقيت زيدًا راكبًا مصاحبًا زيدًا مفارقًا عمرًا، كما تقول: زيد راكب مصاحب عمرًا مفارق بكرًا، وكما تقول في النعت: رأيت رجلًا راكبًا مصاحبًا زيدًا مفارقًا عمرًا، وذلك سائغ من جهة اللفظ والمعنى، فأخبر الناظم بهذا الحكم وأن الحال قد يأتي متعددًا كان صاحبه مفردًا أو غير مفرد بل متعددًا أيضًا فلا محذور فيه، وهو تنكيت على رأي من منع ذلك كابن عصفور؛ إذ زعم أن عاملًا واحدًا لا ينصب أكثر من حالٍ واحدٍ لصاحبٍ واحدٍ قياسًا على الظرف، قال: كما لا يجوز أن يقال: قمت يوم الخميس يوم الجمعة كذلك لا يقال: جاء زيد ضاحكًا مسرعًا، واستثنى منه ذلك الحال المنصوب بأفعل التفضيل الذي تقدم ذكره. وما قاله ابن عصفور غير صحيح للفرق بين المسألتين، إذ وقع قيام واحد في يوم الخميس ويوم الجمعة، محال، ومجيء زيد في حال ضحك وحال إسراع ممكن غير محال، فما أبعد ما بين الموضعين، وإنما نظير مسألته: جاء زيد راكبًا راجلًا، أو مسرعًا مبطئًا أو رأيته سائرًا قاعدًا، وما أشبه ذلك، هذا هو الذي لا يمكن وجوده إن لم يحمل على وجه يصح ولو بمجاز، وإذ ذاك لا يكون الامتناع من جهة العامل بل من جهة المعنى. وأما الظرفان فلهما حكم آخر غير حكم الحال. وقوله: "لمفرد وغير مفرد" أما مجيئه لمفرد فهو الذي فرغ منه، وأما مجيئه لغير مفرد بل لمتعدد فيتصور ذلك على نحوين: