الفذة التي لا ثانية لها قد اختلفت فيه العبارات اختلافًا متفاوتًا، ما بين جارٍ على ما عرف من كلام العرب، وما لم يعرف، وليس ذلك إلا لما ساغ لهم- أعني للرواة- من نقله بالمعنى. ومن ههنا أجاز المحققون ذلك للعارفِ بدلالات الألفاظ؛ لأن المعاني إذا سلمت في النقل فلا مبالاة بمجرد الألفاظ إلا من باب الأولى خاصة، خلاف ما عليه الأمر في نقل الشعر، وكلام العرب فإنهم- أعني رواته- لم ينقلوه أخذًا لمعناه فقط، بل المعتنى به عندهم كان اللفظ لما ينبني على ذلك من الأحكام اللسانية فاعتنى النحويون بالاستنباط مما نقل من كلام العرب عن الثقات، وتركوا ما نقل من الأحاديث لاحتمال إخراج الراوي لفظ الحديث عن القياس العربي، فيكون قد بنى على غير أصلٍ، وذلك من جملة تحريهم في المحافظة على القواعد اللسانية، فاعتنى النحويون بالاستنباط مما نقل من كلام العرب عن الثقات، وتركوا ما نقل من الأحاديث؛ لاحتمال إخراج الراوي لفظ الحديث عن القياس العربي، فيكون قد بنى على غير أصل، وذلك من جملة تحريهم في المحافظة على القواعد اللسانية ولو رأيت اجتهادهم في الأخذ عن العرب، وكيفية التلقي منهم لقضيت العجب فليس بمنكرٍ تركهم للاستشهاد بالحديث والاستنباط منه، كيف وهم قد بنوا على ما نقل أهل القراءات من الروايات في ألفاظ القرآن، فبنوا عليها لما كان اعتناؤهم بنقل الألفاظ، وإذا فرض في الحديث ما نقل بلفظه، وعرف بذلك، بنص أو بقرينةٍ تدل على الاعتناء باللفظ صار ذلك المنقول أولى ما يحتج به النحويون، واللغويون، والبيانيون، ويبنون عليه علوهم. وعلى هذا نقول: إن الحديث في النقل ينقسم قسمين: