وإن يفرغ سابق إلا لما ... بعد يكن كما لو إلا عدما
هذا هو القسم الثاني من قسمي المستثنى، وهو المفرغ، والتفريغ: عبارة عن كون ما قبل (إلا) طالبًا لما وقع بعدها طلبًا لا يفتقر إلى (إلا) من حيث التركيب، فلا يتم الكلام من حيث القصد إلا به، فيطلبه إما بالفاعلية وإما بالخبرية، وإما بالمفعولية على أقسامها، وإما بالحالية، وإما بغير ذلك من الأحكام التي يقتضيها فيه ما قبل (إلا)؛ لأنه لم يذكر له قبلها شيءٌ من ذلك، فيريد أن ما قبل (إلا) إذا كان مفرغًا لما بعدها لأن يطلبه بما تقتضيه من الأحكام، فإنه يعرب بإعراب ما يطلبه به على حد ما لو عدمت (إلا) من الكلام فلم تذكر، لكن لا بد أن يتقدم نفي أو شبهه؛ إذ لا يصح التفريغ من عدمها كما يأتي، فتقول في الفاعلية: ما قام إلا زيدٌ، فزيدٌ فاعل بقام كما كان فاعلًا في قولك: ما قام زيدٌ، وفي الخبرية: ما زيدٌ إلا قائمٌ، فقائم خبر زيد على حد قولك: ما زيد قائم، وعلى ذلك يجري الأمر في المفعولية نحو: ما ضربت إلا زيدًا، وما قمت إلا قيامًا حسنًا، وما خرجت إلا يوم الجمعة، وما قعدت إلا مكانك، وما ضربته إلا تأديبًا، وفي الحال: ما سرت إلا مسرعًا، وفي المجرور: ما مررت إلا بزيدٍ، وما اشتريت إلا من السوق، وفي التمييز: ما امتلأ الإناء إلا ماءً، أو ما شبه ذلك؛ وإنما كان كذلك لأن المستثنى صار خلفًا من المستثنى منه حين ترك؛ إذ كان الأصل: ما قام أحدٌ إلا زيدٌ، وما رأيت أحدًا إلا زيدًا، وما زيدٌ في موضع من المواضع إلا مكان كذا، وكذلك سائرها، فلما ترك ذكرها لفهم معانيها أقيم المستثنى مقامها، فأعطي اللفظ حقه من العمل فيها على حسب ما كان يطلب المستثنى