هذا هو النوع الثالث والرابع من المنصوبات التي ينصبها كل فعل كان متعدّيًا أو غير متعدّ، وهما ظرف الزمان والمكان؛ وإنما جمعهما في باب واحد لاتحاد أحكامها في الأكثر، وشرع أولًا في التعريف بالظرف على الجملة فقال:
الظرف وقت أو مكان ضُمِّنا ... في باطِّراد كهُنا أمكث أزمُنًا
يعني أنّ الظرف المصطلح عليه عند النحويين: ما كان اسمًا لوقت -أي لزمان- أو اسمًا لمكان، فلا يكون من جنس غير جنسهما إلّا إذا ضُمِّن معناهما كما سيأتي بيانه إن شاء الله، فيريد ما كان اسم زمان أو مكان بالوضع الأول أو بوضع ثانٍ؛ إذ ليس في لفظه ما يدل على اختصاصه بأحدهما. وهذا هو الجنس الأقرب. وقوله: "ضُمِّنا في" (في) هنا اسم للحرف مفعول ثانٍ لضُمِّنا، والألف في ضمنا يحتمل أن تكون ألف الضمير، وإن تقدّمت (أو)؛ إذ المراد الأمران، وإنّما جاءت للتفصيل كقول الله تعالى: {إن يكُن غنيًّا أو فقيرًا فالله أولى بهما} ويحتمل أن يكون وصلًا، والضمير مستتر مفرد عائد على أحد الأمرين اعتبارًا بلفظ (أو)، ويريد أنّ من خاصيّة الظرف أن يكون مُضمَّنًا معنى "في"،