من الفعل لوُجدت فيه الدلالة على الزمان المعيّن، لكنه ليس كذلك، فدلّ على أنّه غير مشتق منه، وإنما هو مشتق من المصدر، وأيضًا فإن الصفة في الغالب متحدة والأفعال متعددة، فلو اشتُقَّت من الفعل لزم اشتقاقها من الجميع أو من واحد معيّن، وكلاهما فاسد، لما تقدّم ولغير هذا من الأدلّة، وهذا البحث أيضًا لا ينبني عليه حكم، وإنما حَدَا إلى الاستدلال إشارة الناظم إلى الترجيح والتوجيه. والله المستعان. ثم قال:
توكيدًا أو نوعًا يُبين أو عدد ... كسِرْت سيْرتَين سيرَ ذي رَشدْ
نصب توكيدًا وما بعده على المفعول بِيُبين، والتقدير: يبين توكيدًا أو نوعًا أو عددًا، أي هذا شأنه، وقصده تبيين أنواع المصدر، وأنه على ثلاثة أنواع:
أحدها: المصدر الذي هو لمجرد التوكيد لا يفيد زيادة على ذلك، فهو مفيد مثل ما أفاده الفعل، نحو: قام قيامًا، وقعد قعودًا، و {كلّم الله موسى تكليمًا} و {كبره تكبيرًا}، ولم يحتج إلى تمثيله لبيانه.
والثاني: المبيّن للنوع، وهو الذي يبين نوع الفعل المذكور، ففيه زيادة على معنى التوكيد، نحو ضربته ضربًا شديدًا، وعاقبته معاقبة الأمير اللص. وقعد قِعدة سوء وتكلم تُكلّم حليم.
والثالث: المبين للعدد وهو قوله: (أو عددًا) لأنه معطوف على نوعًا لكن وقف عليه بالسكون على لغة من قال: رأيت زيدْ. والمبين للعدد هو الذي يفيد زيادةً على توكيد الفعل عدد المرات، ومثّله بقوله: سِرْتُ سيرتَيْن، فسيرتين أفاد