هنا شرع الناظم في الكلام على المنصوبات، وهي التي ينصبها كلُّ فعل متعدِّيًا كان أو غير متعد، ولم يقدِّم قبل هذا من المنصوبات إلا المفعول به؛ إذ لا ينصبُه كلُّ فعل، ولأنه متعلِّق بأحكام المرفوعات من جهة رفعه إذا ناب عن الفاعل، ومن جهة حصول الفائدة به كحصولها بالفاعل على الجُملة، ومن أجل أنَّ الفعل يقتضيه بمعناه كما يقتضي الفاعل، فلذلك أفرد المفعول به عن غيره من المنصوبات.
وجملةُ المنصوبات التي ينصبها كل فعل ثمانية، وهي: المفعول المطلق، والمفعول فيه، وهو ظرف الزمان وظرف المكان، والمفعول من أجله، والمفعول معه، والمستثنى، والحال، والتمييز، فبدأ بالمفعول المطلق، وهو المصدر؛ لأنّه أقرب هذه المنصوبات إلى الفعل لأنَّه مُشتَقٌّ منه، والفعل دالٌّ عليه بحروفه؛ إذ الفعلُ له دلالتان: دلالة بحروفه، ودلالة بصيغته. ودلالة الحروف أقرب إلى المصدر من دلالة الصيغة، فابتدأ به فقال:
المصدر اسم ما سوى الزمان منْ ... مَدلُولي الفعل كأمْنٍ مِنْ أمِنْ
يعني أنّ المصدر في اصطلاحهم: هو اسمُ ما دلَّ عليه الفعل بحروفه، وذلك أنّ الفعل يدلُّ على المعنى الواقع من الفاعل، أو المعنى المتَّصِف به الفاعل من حيث هو فاعل: فضرِبَ ويَضْرِبُ دالٌّ على الضرب الواقع من الضارب، وأمِنَ ويأْمَنٌ وائْمَنْ دالٌ على معنى اتَّصف به الآمن، فلذلك له اسم وضعته العرب له وهو