فيه مذهب الجمهور فقد حكى سيبويه: متى رأيت أو قلت زيدًا منطلقًا، على إعمال الأول، ومتى رأيت أو قلت زيد منطلق، على إعمال الثاني الذي هو قلت، وهو الحكاية. وأما التنازع في الثلاثة فإنما منع لأنه خارج عن القياس، فما لم تكلم به العرب فمردود إلى القياس، قال السيرافي: "ومن أصحابنا من يقيسه"، وإذا كان كذلك فقد قال الناظم هنا: "إن عاملان اقتضيا في اسم عمل" ولم يقل في: "اسم واحد فأكثر"، بل اقتصر على الاسم الواحد، فظهر منه بهذه العبارة خلل في المفهوم، وتناقض.
والخامس: أن العاملين قد يتنازعان العمل في معمول قبلهما، ولا يلفى في ذلك الخروج عن باب التنازع المفروض، ألا ترى أن الاسم المتنازع فيه قد يكون مقدمًا من تأخير، نحو: زيدًا ضربت وأكرمت، وما أشبه ذلك، فالتنازع هنا صحيح، فإن أعملت الأول قلت: زيدا ضربت وأكرمته، فأعملت الثاني في ضميره، وإن أعملت الثاني لم تعمل الأول في ضميره، فقلت: زيدًا ضربت وأكرمت، فهذا جار على طريقة الإعمال مع أن المعمول مقدم، وهو إنما قال: "إن عاملان اقتضيا في اسم عمل قبل" فقيد العامل بكونه قبل المعمول، فخرج عنه هذا النحو، واقتضى أنه ليس بإعمال، فظهر بهذا كله أن قاعدة الناظم في هذا الباب في غاية القصور والخلل.
والجواب: أن كلامه صحيح، وما اعترض به غير وارد.
أما الأول: فإنه عين الفعلين في الباب، ولم يمثل بغيرهما، فأشعر ذلك من كلامه بأنه لا يريد الحرفين، ولا الاسمين اللذين لا يشبهان الفعل، وأيضًا فالعوامل كلها أصلها الأفعال كما تقرر في الأصول، وما عدا الأفعال من العوامل محمول عليها، وإذا كان كذلك فأول سابق إلى الذهن من إطلاقه لفظ العامل