يعني أنّ فصلَ المشغول عن العمل في الاسم السابق بالجار والمجرور أو بالاسم ذي الإضافة جارٍ في الحكم المذكور مَجْرَى الفعل الذي لم يُفْصَل بينه وبين غيره بشيء, فالفصل بهذين لا اثَر له في تغيير الحكم, بخلاف الفصل بغيرهما فإنّ له أثرًا, إمّا في منع التفسير, أو في غير ذلك. هذا معناه على الجملة. وأمّا في التفصيل فإنّ الفصلَ بين الفعل المشغول وغيره يُتَصَوّرُ على وجهين:
أحدهما: أنّ يريدَ فصلَ الفعل من الاسم السابق, وأشار إليه أحد الأمرين, وهو حرف الجر, فهو الذي يسوغ أن يُفْصَل به بينهما, ويكونَ ذلك الفصل جائزًا, وأمّا المضاف إليه فلا يُتَصوّر الفصل به بين الفعل والاسم السابق, وإلّا أنْ تجعلَ عِوَض زيد في: زيدًا ضربتُه عبدَالله أو أبا فلان, فتقول: عبدَاللهِ ضربتُه, وعند ذلك تكون قد فصلت بإضافة , ومثل ذلك لا يُتحرّز منْه, لانّ المضافَ والمضاف إليه, هنا هو الاسم كلّه, كالموصول وصلته, فتعيّنَ أنَّ الفصلَ بالإضافة هنا غيرُ مراد. وتعيّنَ له الجار والمجرور, وهو حرف الجر الذي ذكر, إذ عادته انْ يُطلقَ حرفَ الجر ويريد المجرور معه, ومثال ذلك الفصل: أزيدًا في الدار أكرمتَه, وأزيدًا إلى الدار جئتَ به, وما أشبه ذلك. فالفصل بهذا غيرُ معتدّ به ولا مُغيّر للحكم المذكور قبلَ هذا, ونظيرُه الظرف, كقولك أزيدًا عندَك أنزلتَه, وأزيدًا أمامَك أقعدتَه, وأزيدًا يوم الجمعة ضربتَه, وما أشبه ذلك. ولم يذكره الناظم علمًا بأنّ حكمًه معلومٌ من حكم المجرور؛ إذ هما في هذه الأشياء بمنزلة واحدة. وإنّما سُوّغ الفصلُ بهما, ولم يمنعا من نصب الاسم السابق؛ لأنّ العربَ تَتَّسِعُ في الظروف والمجرورات بالتقديم والتأخير ما لا تتَّسعُ في