وقال الجعديّ:
حَتَّى لَحِقْنا بِهِمْ تَعدُو فَوارسُنَا
كأننا رَعْنُ قُفٍّ يَرَفَعُ الآلا
ومثل هذا كثير. وقد جعل ابن الطراوة هذا قياسًا مُطّردًا، فأجاز نصب الفاعل ورفع المفعول إذا فهم المعنى، نحو: أكل الخبزُ زيدًا، وركب الفرسُ عمرًا، وما أشبه ذلك. فإذًا ما التزمه الناظم من رفع الفاعل غيرُ لازمٍ.
فالجواب: أن هذا كلّه غير وارد؛ أما كفى بالموت واعظً، و {كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا}، فمن باب ما ندر وخَرَج عن القياس، فل يعتدُّ به، مع أن الباء عدهم زائدة، دخولها كخروجها، فكأن لم كن ثَمّة.
وأما ما أتاني من أحد، فكذلك أيضًا، فإنّها من مواضع زيادة مِنْ. والحرف الزائد لا يعتدُّ به، ولا يكسرُ قاعدةٌ، ولا يخرج الفاعل بذلك عن كونه فاعلًا، ولذلك يُعطف على موضعه رفعًا، فهذا ليس مما يعترضُ به.
وأما فاعل المصدر إذا أضيف إليه فلا يسمّى فاعلًا عرفًا حينئذٍ، بل هو مضافُ إليه، كما لا يُسمّى زيدٌ -فيق قولك: زيدٌ قام- فاعلًا، ولا في زيد مضروبٌ مفولًا، وإن كان المعنى في الجميع على ذلك. ومن هنا يتبيَّنُ في نحو: كسر الزجاجُ الحَجر، أَنَّ الزجاج هو الفاعل، وأن الحجر مفعول، اعتبارًا باللفظ،