والخامس: أن يكون الفعل مقدّمًا على الاسم، كالمثال في: أتى زيدٌ، فلو تقدّم الاسمُ على الفعلِ لم يكن فاعلًا في العُرف النحوىّ، وإن كان هو الفاعل من جهة المعنى إذا قلت: الرجل جاء، وزيدٌ أتى؛ لأن العرب إذا قَدَّمت الاسم على الفعل أضمرت في الفعل ضميرًا يلزمه، فهو إذًا الفاعل، لا الإسم المتقدّم. والدليل على لزوم الضمير للفعل المتأخر ظهروه لزومًا في التثنية والجمع إذا قلت: الزيدان قاما أو أتيا، والزيدون قاموا أو أَتَوا. ولو كان المتقدّم هو الفاعل لم يكن في الفعل ضميرٌ البتَّة، بل كنت تقول: الزيان أتى، والزيدون أتى، كما تقول: أتى الزيدون، وأتى الزيدون. وأيضا فإن العرب جعلت الفاعل مع الفعل كالجزء المتأخر منه، وذلك ظاهر مع كونه ضميرا متصلا-/ وقد استدلّ ابن جنِّي على صحّة ذلك بأحد عشر دليلًا- ولا يجعل كذلك إلا وهم قد عَزَمُوا على تأخيره عن الفعل لزوما، وجعلوه بمزلة الجزء إذا كان ضميرًا متصلا، وبمنزلة صدر المركّبِ من عَجُزه إذا كان غير ذلك.
حدثني شيخُنا الأستاذ -رحمةُ الله عليه- في الجملة، ونقلتُه من خطّه، عن الشيخ الفقيه الأوحد أبي عبد الله الحضرمىّ القاضي بسبتة، قال: أخذت بيده يومًا أقودُه إلى منزله من مدرسة باب القَصْر بسبتةَ لمكان سِنِّه، فقعد أثناء الطريق ليرتاح، ثم قال لى: ما تقول في قولك: زيد قام، أيكون زيدٌ فاعلًا مقدّمًا؟ فقلت: لا أدرى -لكوني لم أكن حِينئذٍ في