القصدين مع تأخير الفعل أو توسيطه، ويتعيّن امتناعُ الإلغاء مع تقديمه، لأن الابتداء به مؤذِنٌ بالقصد إليه ابتداءٌ، فلا يصحّ إلغاؤه؛ لأَنّ الإلغاء مبني على عدم القصد ابتداءً، وهذا نقضُ الغرض. وقد ظهر بهذا وجه ما أجازه الناظم من الإلغاء مع تأخير الفعل أو توسيطه، وما مَنَع منه مع تقديمه.
وهنا مسألة وهى النظر في تحقيق الابتداء الذى ذكره مضافًا إلى الفعل، هل المراد الابتداء به أول الكلام حتى لا يتقدّمه غيره، نحو: ظننت زيدًا قائما، أم أراد الابتداء به قبل المفعولين، وإن تقدّمه هو غيرُ ذلك من أداة نفي أو استفهام أو نحوهما؟
فأما إن أراد الأول فيقتضى أن ما كان نحو: متى تظن زيدًا منطلقا؟ وأن تظن زيدًا قائما؟ يجوز فيه الإلغاء، فتقول: متى تظنّ زيد قائم؟ وأين تظنّ زيد قائم؟ وهذا جائز على الجملة، نصّ عليه سيبويه وغيره، لكن على مقصد، وهو أن يكون الظرفُ المتقدّم متعلقًا بقائم، والسؤالُ إِنما وقع عن زمانه أو عن مكانه، فهاهنا أجازوا الوجهين، على حدّ ما لو تقدم أحد المفعولين. وإنما لم يحكم للفعل هنا بحكم الابتداء، لأن معمولَ المعمولِ الثاني قد تقدّم على الفعل، والقاعدة أن تقدم المعمول مُؤْذِنٌ بتقدم العامل، فكأنّ المعمولَ الثانى -وهو قائم- قد تقدّم على الفل، فجاز الإلغاء.
فإن قصد أن الظرف متعلّق بَظنَ لم يَجُزْ الإِلغاء، لأن الفعل إذ ذاك في الابتداء، والفعل لا يُلغَى مبتدًأ، فيصحّ تنزيل كلام الناظم على مثل هذه المسألة، وأن الإلغاء جائز فيها على الجملة، إذ ليس الفعل مبتدًأ به.