عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ» " وَفِي لَفْظٍ " يَتَوَضَّأُ مِنْهُ "، وَمَفْهُومُهُ جَوَازُ ذَلِكَ فِي الْجَارِي مُطْلَقًا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " «لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ» " وَمَفْهُومُهُ جَوَازُ الِاغْتِسَالِ فِي الْجَارِي وَإِنِ اسْتَدْبَرَ الْجِرْيَةَ، وَكَذَلِكَ نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَالَ فِي الرَّاكِدِ وَمَفْهُومُهُ الْإِذْنُ فِي الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الْجَارِي وَلَوْ يُنَجِّسُهُ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ بِئْرِ بُضَاعَةَ عَامٌّ، وَمَفْهُومُ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ لَا يُعَارِضُ هَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ: " «إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ» " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَإِذَا فَرَّقْنَا بَيْنَ جَارِيهِ وَوَاقَفِهِ حَصَلَتِ الْمُخَالَفَةُ لَا سِيَّمَا وَسَبَبُ الْحَدِيثِ هُوَ السُّؤَالُ عَنِ الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ الْوَاقِفَ إِنَّمَا يُنَجَّسُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - لِضَعْفِهِ عَنِ اسْتِهْلَاكِ النَّجَاسَةِ، وَالْجَارِي لِقُوَّةِ جَرَيَانِهِ يُحِيلُهَا وَيَدْفَعُهَا إِذَا وَرَدَ عَلَيْهَا فَكَانَ كَالْكَثِيرِ.
مَسْأَلَةٌ:
" وَالْقُلَّتَانِ مَا قَارَبَ مِائَةً وَثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ بِالدِّمَشْقِيِّ "
" الْقُلَّةُ " هِيَ الْجُبُّ وَالْخَابِيَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُقَلُّ بِالْيَدِ، وَالتَّقْدِيرُ بِقِلَالِ هَجَرَ، هَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي حَدِيثٍ مُرْسَلٍ «إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرَ».