وَلِأَنَّهُ فِيهِ حَيَاةُ الْحَيَوَانِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78]؛ وَلِأَنَّ الْعَصَبَ يُحِسُّ وَيَأْلَمُ وَكَذَلِكَ الضِّرْسُ، وَذَلِكَ دَلِيلُ الْحَيَاةِ.
وَأَمَّا مَا لَا يُحِسُّ مِنْهُ مِثْلُ الْقَرْنِ وَالظُّفُرِ وَالسِّنِّ إِذَا طَالَ فَإِنَّمَا هُوَ لِمُفَارَقَةِ الْحَيَاةِ مَا طَالَ، وَقَدْ كَانَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ نَجَاسَتَهُ، لَكِنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ اتِّصَالُهُ بِالْجُمْلَةِ تَبَعًا لَهَا وَدَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ بِتَنْجِيسِ ذَلِكَ كَمَا قُلْنَا فِيمَا حُشِيَ عَلَى الْعَقِبِ وَبُسِطَ عَلَى الْأَنَامِلِ وَسَائِرِ مَا يَمُوتُ مِنَ اللَّحْمِ وَلَمْ يَنْفَصِلْ، فَإِذَا انْفَصَلَ أَوْ مَاتَ الْأَصْلُ زَالَ الْمَانِعُ فَطَهُرَ عَلَى السَّبَبِ، وَتَعْلِيلُ نَجَاسَةِ اللَّحْمِ بِاحْتِقَانِ الرُّطُوبَاتِ فِيهِ قَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ.
مَسْأَلَةٌ:
" وَكُلُّ مَيْتَةٍ نَجِسَةٌ إِلَّا الْآدَمِيَّ ".
أَمَّا نَجَاسَةُ الْحَيَوَانِ بِالْمَوْتِ فِي الْجُمْلَةِ فَإِجْمَاعٌ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَذَلِكَ يَعُمُّ أَكْلَهَا وَالِانْتِفَاعَ بِهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ، لِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ. فَقَالَ: لَا هُوَ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَّلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ وَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.