الثَّانِي: كَالْمَحْبُوسِ فِي الْمَصْرِ وَأَهْلِ بَلَدٍ قَطَعَ الْمَاءَ عَدُوُّهُمْ، فَهَذَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ، وَعَنْهُ: لَا يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ أَوْ يُسَافِرَ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَذِنَ فِي التَّيَمُّمِ لِلْمُسَافِرِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: («الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسُّهُ بَشَرَتَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ») رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَلِأَنَّهُ عَادِمٌ لِلْمَاءِ فَأَشْبَهَ الْمُسَافِرَ، وَإِنَّمَا خُصَّ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُعْدَمُ غَالِبًا فِيهِ، وَالْمَنْطُوقُ إِذَا خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَفْهُومٌ مُرَادٌ.
وَإِذَا صَلَّى لَمْ يُعِدْ فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَمَنْ قَالَ: يُعِيدُ فِي الْأَعْذَارِ النَّادِرَةِ مِثْلَ عُدْمِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَمَنْ خَشِيَ الْبَرْدَ فَتَيَمَّمَ، قَالَ: يُعِيدُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ أَخَلَّ بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَعَادَ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنَّهُ عُفِيَ عَنْهُ فِيمَا يَكْثُرُ وَيَشُقُّ كَمَا قُلْنَا: إِنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي الصَّوْمَ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ لِأَنَّهَا تَتَكَرَّرُ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ الْمَفْعُولَةَ عَلَى وَجْهِ الْخَلَلِ غَيْرُ مُبَرِّئَةٍ لِلذِّمَّةِ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا فُعِلَتْ إِقَامَةً لِوَظِيفَةِ الْوَقْتِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا خَاطَبَ بِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ يَفْعَلُهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَالشَّرْطُ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ سَاقِطٌ بِالْعَجْزِ، وَفِي قَوْلِهِ: («الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ») وَقَوْلِهِ: («التُّرَابُ كَافِيكَ») دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْمَاءِ مُطْلَقًا.
فَصْلٌ:
وَلَا يَكُونُ عَادِمًا حَتَّى يَطْلُبَ الْمَاءَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فِي رَحْلِهِ وَرُفْقَتِهِ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ، وَعَنْهُ لَا يَجِبُ طَلَبُهُ إِلَّا إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وُجُودُهُ أَوْ رَأَى أَمَارَاتِ