بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَسْحُ الرَّأْسِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَ (مَسْحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِغُبَارٍ وَاحِدٍ)، فَإِذَا قِيلَ: غُبَارُ الضَّرْبَةِ الْأُولَى يَذْهَبُ بِمَسْحِ الْوَجْهِ، قُلْنَا: إِنَّمَا يُجْزِئُ إِذَا مَسَحَ الْوَجْهَ بِبُطُونِ الْأَصَابِعِ، فَيَبْقَى بَطْنُ الرَّاحَةِ لِلْيَدِ، أَوْ يَمْسَحُ الْوَجْهَ بِالطَّبَقَةِ الْأُولَى مِنَ التُّرَابِ، وَيَبْقَى عَلَى الْيَدِ غُبَارٌ يَمْسَحُهَا بِهِ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ غُبَارٌ لَزِمَهُ ضَرْبَةٌ ثَانِيَةٌ كَمَا إِذَا لَمْ يَبْقَ مَاءٌ لِلِاسْتِنْشَاقِ وَلَا بَلَلٌ لِلْأُذُنِ.
وَالْيَدُ الْمُطْلَقَةُ فِي الشَّرْعِ مِنْ مَفْصِلِ الْكُوعِ، بِدَلِيلِ آيَةِ السَّرِقَةِ وَالْمُحَارَبَةِ، وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ فَلَا يَغْمِسُ يَدَهُ» "، وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى ذَكَرِهِ ".»
وَلِأَنَّ الْيَدَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُشْتَرِكَةً بَيْنَ الْمَفَاصِلِ الثَّلَاثَةِ أَوْ حَقِيقَةً فِي الْبَعْضِ مَجَازًا فِي الْبَعْضِ أَوْ حَقِيقَةً فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَوُجُوبُ الْمَسْحِ إِلَى الْكُوعِ مُتَيَقَّنٌ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِي الْيَدِ إِلَى مَفْصِلِ الْكُوعِ؛ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْمَجَازُ فِي الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ، وَلَا يَنْعَكِسُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَمْ نَعْنِ بِالْيَدِ مَا هُوَ إِلَى مَفْصِلِ الْإِبِطِ فِي خِطَابِ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ الصَّحَابَةُ احْتِيَاطًا، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثَ فَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ هُوَ إِلَى الْكُوعِ، وَلِأَنَّ الْيَدَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ خِلَافُهَا عِنْدَ التَّقْيِيدِ.
فَأَمَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا أَقْصَى مَا يُسَمَّى يَدًا أَوْ أَقَلَّ مَا يُسَمَّى يَدًا، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، فَيَتَعَيَّنُ الثَّانِي.