وَلِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَتَكَرَّرُ، فَلَا يَشُقُّ إِيجَابُ نَقْضِهِ، بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجِبُ، بَلْ يُسْتَحَبُّ؛ «لِمَا رَوَتْ أَمُّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ظُفْرَ رَأْسِي فَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ، قَالَ: " لَا، إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " «أَفَأَنْقُضُهُ لِلْحَيْضَةِ وَلِلْجَنَابَةِ» " وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُدَ: " «وَاغْمِزِي قُرُونَكِ عِنْدَ كُلِّ حَفْنَةٍ» " وَحَمَلُوا النَّقْضَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ كَالسِّدْرِ وَالطِّيبِ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي كُلِّ غُسْلِ الْحَيْضِ اسْتِحْبَابًا مُؤَكَّدًا حَتَّى قَالَ أَحْمَدُ: " وَإِنْ كَانَتْ قَدِ اغْتَسَلَتْ بِالْمَاءِ ثُمَّ وَجَدَتِ السِّدْرَ، أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ تَعُودَ إِلَى السِّدْرِ ".
وَقَالَ فِي الطِّيبِ: " تُمْسِكُ فِي الْقُطْنَةِ شَيْئًا مِنْ طِيبٍ يَقْطَعُ عَنْهَا رَائِحَةَ الدَّمِ وَزَفَرَتَهُ ".
وَقَالَ الْقَاضِي: " فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مِسْكًا فَغَيْرُهُ مِنَ الطِّيبِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَالطِّينُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَالْمَاءُ شَافٍ كَافٍ " وَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ الْفُرْصَةِ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: " الْفِرْصَةُ قِطْعَةُ قُطْنٍ أَوْ صُوفٍ تُمَسُّ بِشَيْءٍ مِنْ طِيبٍ وَتُدْخِلُهَا الْمَرْأَةُ فَرْجَهَا لِتُطَيِّبَ بِذَلِكَ مَخْرَجَ الدَّمِ " وَهَذَا لِأَنَّ الْحَيْضَ لَمَّا طَالَتْ مُدَّتُهُ وَحَصَلَ فِيهِ وَسَخٌ وَأَذًى، شُرِعَ فِيهِ مَا يَحْصُلُ النَّظَافَةُ التَّامَّةُ؛ وَلِهَذَا لَمَّا سُئِلَ أَحْمَدُ عَنِ النُّفَسَاءِ وَالْحَائِضِ كَمْ مَرَّةً يَغْتَسِلَانِ قَالَ: " كَمَا يُغَسَّلُ الْمَيِّتُ " قَالَ الْقَاضِي: " وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ يَجِبُ مَرَّةً وَيُسْتَحَبُّ ثَلَاثًا، وَيَكُونُ فِيهِ السِّدْرُ وَالطِّيبُ كَمَا فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ ".