نَقَلَ الْآحَادُ كَمَا نَقَلَ غُسْلَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ الْآحَادُ، وَذَلِكَ كَافٍ، ثُمَّ لَعَلَّ النَّقْلَ تُرِكَ حِينَ انْتَشَرَ الْإِسْلَامُ وَقَبْلَ دُخُولِ الْخَلْقِ الْكَثِيرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَالْمُوجِبُ هُوَ الْكُفْرُ السَّابِقُ بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ، كَمَا أَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ خُرُوجُ دَمِ الْحَيْضِ بِشَرْطِ الِانْقِطَاعِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ شَرٌّ مِنَ الْجُنُبِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَقَدْ عَلَّلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَنَّ الْكَافِرَ إِذَا أَسْلَمَ لَا يَخْلُو غَالِبًا مِنْ جَنَابَةٍ سَابِقَةٍ، وَغُسْلُهُ فِي حَالِ كُفْرِهِ لَا يَصِحُّ، وَكَوْنُهُ غَيْرَ مُخَاطَبٍ بِالْغُسْلِ إِذْ ذَاكَ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ انْعِقَادِ سَبَبِهِ كَنَوَاقِضِ الْوُضُوءِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْكَافِرِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَكَمَا يُسْتَحَبُّ غُسْلُ الْمَيِّتِ وَالْحَائِضِ، وَقِيلَ: يَجِبُ ذَلِكَ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ بِهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: " إِذَا أَسْلَمَ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ، وَيَغْتَسِلُ وَيَتَطَهَّرُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ "؛ لِأَنَّ ثِيَابَهُ مَظِنَّةُ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ، فَاسْتُحِبَّ تَطْهِيرُهَا، وَيُسْتَحَبُّ حَلْقُ شَعْرِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ رَجُلًا أَسْلَمَ فَقَالَ لَهُ: " أَلْقِ " وَفِي لَفْظٍ: " احْلِقْ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَإِذَا أَجْنَبَ الْكَافِرُ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ سِوَى غُسْلِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ أَمَرَ أَحَدًا مِنَ الْكُفَّارِ بِغُسْلِ الْجَنَابَةِ مَعَ كَثْرَةِ مَنْ أَسْلَمِ مِنَ الْبَالِغِينَ الْمُتَزَوِّجِينَ، وَلِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِالْكُفْرِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْجَنَابَةِ وَغَيْرِهَا، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بِالْحَقِيقَةِ غُسْلٌ آخَرُ، كَالنَّوْمِ مَعَ الْحَدَثِ، وَالْوَطْءِ مَعَ الْإِنْزَالِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ يَجِبُ الْغُسْلُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا غُسْلُ الْجَنَابَةِ فَهُوَ قِسْمَانِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.