الطَّهَارَةُ الْكَامِلَةُ كَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَمَسْحِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمَسَّ الْمُصْحَفَ بِعُضْوٍ غَسَلَهُ حَتَّى يُطَهِّرَ الْجَمِيعَ.
وَلَا يَمْسَحُ عَلَى خُفِّ رِجْلٍ غَسَلَهَا حَتَّى يَغْسِلَ الرِّجْلَ الْأُخْرَى وَيَلْبَسَ خُفَّهَا، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لَنَا " لِإِثْبَاتِ " أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ طَاهِرَةٌ عِنْدَ دُخُولِهَا، وَلَا يَثْبُتُ لَهَا الطَّهَارَةُ حَتَّى يَغْسِلَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ لَا يَتَبَعَّضُ وَلَا يَرْتَفِعُ عَنِ الْعُضْوِ إِلَّا بَعْدَ كَمَالِ الْوُضُوءِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِعُضْوٍ مَغْسُولٍ، عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ لَيْسَ بِمُطَّرِدٍ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: أَنْتُمَا طَالِقَتَانِ إِنْ شِئْتُمَا أَوْ إِنْ حِضْتُمَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُوجَدَ الشَّرْطُ مِنْهُمَا.
فَأَمَّا الْعِمَامَةُ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: هِيَ كَالْخُفِّ فَلَوْ مَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ لَبِسَهَا ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ لَمْ يُجْزِئْهُ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ " حَتَّى " يَبْتَدِئَ لُبْسَهَا بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ، وَفِي الْأُخْرَى يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَبِسَهَا بَعْدَ طَهَارَةِ مَحَلِّهَا، وَلَوْ لَبِسَهَا مُحْدِثًا ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَرَفَعَهَا رَفْعًا فَاحِشًا فَكَذَلِكَ كَمَا لَوْ لَبِسَ الْخُفَّ مُحْدِثًا فَلَمَّا غَسَلَ رِجْلَيْهِ رَفَعَهُ إِلَى السَّاقِ ثُمَّ أَعَادَهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْهَا رَفْعًا فَاحِشًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفِّ؛ لَأَنَّ الرَّفْعَ الْيَسِيرَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ حُكْمِ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا عُفِيَ عَنْهُ هُنَاكَ لِلْمَشَقَّةِ، وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ فِي الْعِمَامَةِ: لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ابْتِدَاءُ اللِّبَاسِ عَلَى طَهَارَةٍ بَلْ يَكْفِي فِيهَا الطَّهَارَةُ الْمُسْتَدَامَةُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ الْجَارِيَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا تَوَضَّأَ رَفَعَ الْعِمَامَةَ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ أَعَادَهَا، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَنْ يَبْقَى مَكْشُوفَ الرَّأْسِ إِلَى آخِرِ الْوُضُوءِ وَلَا أَنْ يَجْعَلَهَا بَعْدَ وُضُوئِهِ ثُمَّ يَلْبَسَهَا بِخِلَافِ الْخُفِّ.