انْكَشَفَ رَأْسُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا مِثْلَ أَنْ يَرْفَعَهَا بِقَدْرِ مَا يُدْخِلُ يَدَهُ كَحَكِّ رَأْسِهِ أَوْ لِمَسْحِهِ فِي الْوُضُوءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَفْحُشْ، وَلَوِ انْتَقَضَتْ فَكَذَلِكَ إِلَّا أَنْ يُنْقَضَ بَعْضُهَا كَكَوْرٍ أَوْ كَوْرَيْنِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: لَا تَبْطُلُ الطَّهَارَةُ؛ لِأَنَّ الْعُضْوَ مَسْتُورٌ بِبَعْضِ الْمَمْسُوحِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ زَالَ ظَاهِرُ الْخُفِّ وَبَقِيَتْ بِطَانَتُهُ.
وَالثَّانِيَةُ: تَبْطُلُ وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ؛ لِأَنَّهُ بِانْتِقَاضِ بَعْضِهَا يَنْتَقِضُ سَائِرُهَا، فَلَمْ تَبْقَ عَلَى حَالٍ تَثْبُتُ بِنَفْسِهَا فَأَشْبَهَ مَا لَوِ انْفَتَقَ الْخُفُّ فَتْقًا لَا يَثْبُتُ فِي الرِّجْلِ مَعَهُ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ يَجُوزُ غَسْلُ رِجْلَيْهِ فِي مَسْلَمَةِ الْخُفِّ يَحْتَاجُ هُنَا إِلَى مَسْحِ رَأْسِهِ وَغَسْلِ رِجْلَيْهِ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ.
فَصْلٌ:
السُّنَّةُ أَنْ يَمْسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ دُونَ أَسْفَلِهِ وَعَقِبِهِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ مُفَرَّجَةَ الْأَصَابِعِ عَلَى أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ ثُمَّ يَجُرَّهَا إِلَى سَاقِهِ، وَلَوْ بَدَأَ بِأَسْفَلِ السَّاقِ قَبْلَ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ جَازَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: " السُّنَّةُ أَنْ يُمْسَحَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلُهُ؛ لِمَا رَوَى الْمُغْيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ» "، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ.
وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يُحَاذِي مَحَلَّ الْفَرْضِ فَأَشْبَهَ أَعْلَاهُ؛ وَلِأَنَّهُ اسْتِيعَابٌ بِالْمَسْحِ فَكَانَ مَشْرُوعًا كَمَسْحِ الرَّأْسِ وَالْعِمَامَةِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ.