[بَابُ الْوُضُوءِ] [مَسْأَلَةٌ وجوب النية في العبادات]
مَسْأَلَةٌ:
" لَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ وَلَا غَيْرُهُ مِنَ الْعِبَادَاتِ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» ".
يَعْنِي أَنْ يَقْصِدَ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ رَفْعَ حَدَثِهِ، وَهُوَ الْمَانِعُ مِمَّا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ بِقَصْدٍ أَوِ اسْتِبَاحَةِ عِبَادَةٍ لَا تُسْتَبَاحُ إِلَّا بِالْوُضُوءِ، وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ، فَأَمَّا إِنْ غَسَلَ أَعْضَاءَهُ لِيُبَرِّدَهَا بِالْمَاءِ أَوْ يُزِيلَ عَنْهَا نَجَاسَةً أَوْ لِيُعَلِّمَ غَيْرَهُ لَمْ يَرْفَعْ حَدَثَهُ، وَكَذَلِكَ النِّيَّةُ تُشْتَرَطُ فِي الْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ؛ لِمَا رَوَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا فَافْتَقَرَتْ إِلَى نِيَّةٍ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ الْعِبَادَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا وَأَنْ يُخْلِصَهَا لِلَّهِ؛ لِقَوْلِهِ: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]. وَلَا يُقَالُ: هِيَ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ فَأَشْبَهَتْ طَهَارَةَ الْخَبَثِ وَالِاسْتِتَارَ وَالِاسْتِقْبَالَ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ فِي نَفْسِهِ، وَشَرْطٌ لِلصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ مِنْ بَابِ الْمَتْرُوكِ؛ وَلِهَذَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى عَمَلٍ أَصْلًا بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَلِذَلِكَ اخْتَصَّتْ بِالْمَاءِ. وَأَمَّا الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِتَارُ فَإِنَّهُمَا يُوجَدَانِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ مِثْلَ وُجُودِهِمَا قَبْلَهَا، فَنِيَّةُ الصَّلَاةِ تَنْتَظِمُهُمَا بِخِلَافِ التَّوَضُّؤِ.
وَلِذَلِكَ إِذَا حَلَفَ لَا يَتَطَهَّرُ وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ لَمْ يَحْنَثْ بِالِاسْتِدَامَةِ، وَإِذَا حَلَفَ لَا يَسْتَتِرُ، وَهُوَ مُسْتَتِرٌ، وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَهُوَ مُسْتَقْبِلُهَا؛ فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ حَنِثَ.