بل يستحب أن تكون جميع حركات العبد وسكناته بنية صالحة فلو كان اللفظ بها مستحبا لاستحب لمن يشيع جنازة أن يقول اتبعها ايمانا واحتسابا ولمن جاهد في سبيل الله أن يقول نويت بجهادي أن تكون كلمة الله هي العليا وإذا انفق نفقة أن يقول ابتغي بهذه النفقة وجه الله إلى سائر الاعمال ومعلوم يقينا أن النبي صلى الله عليه وسلم والسابقين والتابعين لم يكونوا يتكلمون بهذه النيات مع وجودها في قلوبهم ولأن حصول النية في القلب أمر ضروري للفعل حتى لو أراد أن يفعله بلا نية لم يمكن.
وإذا حضرت النية فلو عبر عنها بما يدل على خلافها لم يؤثر ذلك لأنها مما يعرض للقلب بمنزلة الفرح والحزن والحب والبغض والرضى والسخط والشهوة والنفرة ومعلوم أن قصد تحقيق هذه الأشياء بالتعبير عنها قبيح ولأن ذلك تكثير لكلام لا أصل له وفتح لباب اللغو من القول فكان حسمه أولى والقول في الطهارة والصيام مثل هذا.
فإن قيل قد استحببتم أن يتكلم بما ينوي في الحج وقد نص أحمد على ذلك وروي عن جماعة من السلف.
قلنا الفرق بينهما من ثلاثة أوجه.
أحدهما: أن التكلم في الحج ماثور عن النبي صلى الله عليه وسلم ومأثور عن الصحابة والتابعين قبل التلبية وفي اثناء التلبية.
الثاني أن الحج ليس في اوله ذكر واجب عند أصحابنا ولا له حد من الافعال الظاهرة يدخل به فيه فاستحب أن يتكلم بالنية ليبين أول الاحرام.
الثالث: أن أكثر الناس لا يعلمون ما يقصدون بالاحرام حتى يتكلموا به بخلاف الصلاة والصوم فإن المقصود معلوم لهم والنية تتبع العلم وبكل