أَشْعَارِهِمْ حَتَّى قِيلَ: إِنَّ سَبَبَ حُبِّ الْوَطَنِ مَا قَضَتْهُ النَّفْسُ مِنَ الْأَوْطَارِ فِيهِ، وَرُبَّمَا قَدْ جَرَّبَ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ مُفَارَقَةَ الْحَالِ وَالْمَكَانِ الَّذِي عَصَى اللَّهَ فِيهِ مِنْ تَمَامِ التَّوْبَةِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُمَا لَمَّا اجْتَمَعَا عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ: كَانَ مِنْ تَوْبَتِهِمَا أَنْ يَتَفَرَّقَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67]، وَقَدْ قَالَ طَاوُسٌ: مَا اجْتَمَعَ رَجُلَانِ عَلَى غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ إِلَّا تَفَرَّقَا عَنْ ثِقَالٍ فَإِنْ تَعَجَّلَا ذَلِكَ الثِّقَالَ فِي الدُّنْيَا كَانَ خَيْرًا لَهُمَا مِنْ تَأْخِيرِهِ إِلَى الْآخِرَةِ.
فَعَلَى هَذَا: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُفَارِقَهَا فِي الْإِحْرَامِ الْفَاسِدِ، وَبَعْدَ رُجُوعِهَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِحَجَّةِ الْقَضَاءِ. فَأَمَّا أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ الْمُرْسَلَيْنِ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ .... فَإِذَا أَحْرَمَا بِالْقَضَاءِ فَهَلْ يُفَارِقُهَا مِنْ حِينِ الْإِحْرَامِ، أَوْ إِذَا بَلَغَا مَكَانَ الْإِصَابَةِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ذَكَرَهُمَا
؛ إِحْدَاهُمَا: مِنْ حِينِ الْإِحْرَامِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وَحَدِيثِ ابْنِ الْعَبَّاسِ، وَلِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِمَا فَسَادُ الْإِحْرَامِ فِي أَوَّلِهِ كَمَا يُخَافُ عَلَيْهِمَا فِي آخِرِهِ