وَأَيْضًا فَإِنَّ الصَّيْدَ يَحْرُمُ أَخْذُهُ وَقَتْلُهُ وَأَكْلُهُ، وَالْمَيْتَةُ إِنَّمَا يَحْرُمُ أَكْلُهَا خَاصَّةً، وَمَا حَرُمَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَفْعَالٍ، أَعْظَمُ مِمَّا يَحْرُمُ فِيهِ فِعْلٌ وَاحِدٌ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ الصَّيْدَ قَدْ صَارَ بِالْإِحْرَامِ حَيَوَانًا مُحْتَرَمًا يُشْبِهُ الْآدَمِيَّ وَمَالَهُ، وَالْمَيْتَةُ لَا حُرْمَةَ لَهَا فِي نَفْسِهَا، فَيَكُونُ اسْتِحْلَالُ مَا لَا حُرْمَةَ لَهُ أَوْلَى مِنِ اسْتِحْلَالِ مَا هُوَ مُحْتَرَمٌ، كَمَا تُقَدَّمُ الْمَيْتَةُ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ الصَّيْدَ يُوجِبُ بَقَاءَ الْجَزَاءِ فِي ذِمَّتِهِ، وَالْمَيْتَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ.

فَإِنْ قِيلَ: الصَّيْدُ أَيْسَرُ ; لِأَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: هُوَ ذَكِيٌّ وَأَنَّ أَكْلَهُ حَلَالٌ، قِيلَ: هَذَا غَلَطٌ ; لِأَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَقُلْ إِنَّهُ حَلَالٌ لِلْقَاتِلِ وَلَا ذَكِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، وَكَوْنُهُ حَلَالًا لِغَيْرِهِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ كَطَعَامِ الْغَيْرِ مَعَ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّ الْمَيْتَةَ تُقَدَّمُ عَلَيْهِ.

فَإِنْ وَجَدَ مَيْتَةً وَصَيْدًا قَدْ ذَبَحَهُ مُحْرِمٌ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَأْكُلُ ذَبِيحَةَ الْمُحْرِمِ هُنَا وَيَتْرُكُ الْمَيْتَةَ ; لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَفْعَلَ فِي الصَّيْدِ غَيْرَ الْأَكْلِ، وَأَكْلُهُ أَخَفُّ حُكْمًا مِنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ ; لِأَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: هُوَ مَيْتَةٌ وَذَكِيٌّ.

فَأَمَّا إِنْ ذَبَحَ هُوَ الصَّيْدَ فَهُنَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ الْمَيْتَةَ.

وَإِنْ وَجَدَ صَيْدًا وَطَعَامًا مَمْلُوكًا لَا يَعْرِفُ مَالِكَهُ فَقَالَ ... يُقَدِّمُ أَكْلَ طَعَامِ الْغَيْرِ، وَقِيلَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015