بِالْمَدِينَةِ. إِذْ لَوْ كَانَ مَقْصُودُهُ بَيَانَ أَنْوَاعِ الْمَلَابِسِ لَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ بِالْمَدِينَةِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَغَيْرُهُمَا، وَأَفْتَى بِمَضْمُونِهِ خِيَارُ الصَّحَابَةِ وَعَامَّتُهُمْ، وَلَمْ يَسْمَعِ ابْنُ عُمَرَ هَذَا فَبَقِيَ يُفْتِي بِمَا سَمِعَهُ أَوَّلًا.
كَمَا أَنَّ حَدِيثَهُ فِي الْمَوَاقِيتِ لَيْسَ فِيهِ مِيقَاتُ أَهْلِ الْيَمَنِ، لِأَنَّهُ وَقْتٌ بَعْدُ، وَكَمَا أَفْتَى النِّسَاءَ بِالْقَطْعِ حَتَّى حَدَّثَتْهُ عَائِشَةُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ فِي الْخِفَافِ مُطْلَقًا»، أَوْ أَنَّهُنَّ لَمْ يَعْنِينَ بِهَذَا الْخِطَابِ.
وَلِهَذَا أَخَذَ بِحَدِيثِهِ بَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ فِي أَنَّ السَّرَاوِيلَ لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ، وَأَنَّ لَابِسَهُ لِلْحَاجَةِ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ حَيْثُ لَمْ يَأْذَنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مُوجَبُ حَدِيثِهِ. فَإِذَا نُسِخَ مُوجَبُ حَدِيثِهِ فِي السَّرَاوِيلِ: نُسِخَ مُوجَبُهُ فِي الْخُفِّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُمَا جَمِيعًا وَسَبِيلُهُمَا وَاحِدٌ.
قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ سُئِلَ. . . النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ» " قَالَ مَالِكٌ: لَمْ أَسْمَعْ بِهَذَا، وَلَا أَرَى أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ سَرَاوِيلَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لُبْسِ السَّرَاوِيلَاتِ فِيمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ الَّتِي لَا يَنْبَغِي لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَلْبَسَهَا، وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِيهَا كَمَا اسْتَثْنَى فِي الْخُفَّيْنِ.
فَهَذَا قَوْلُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَدْ أَحْسَنَ فِيمَا فَهِمَ مِمَّا سَمِعَ.