(فَصْلٌ)
وَيَكْفِيهِ أَنْ يُلَبِّيَ لِهَذِهِ الْأَسْبَابِ مَرَّةً وَاحِدَةً ; بِحَيْثُ يَكُونُ دُعَاؤُهُ عَقِيبَ تِلْكَ الْمَرَّةِ.
قَالَ - فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ -: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِي التَّلْبِيَةِ: لَبَّيْكَ ذَا الْمَعَارِجِ، وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ جَاءَتْ بِهِ الْعَامَّةُ؛ يُلَبُّونَ فِي دُبُرِ الصَّلَوَاتِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: مَا شَيْءٌ تَفْعَلُهُ الْعَامَّةُ يُلَبُّونَ فِي دُبُرِ الصَّلَوَاتِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟ فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: مَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ جَاءُوا بِهِ، قُلْتُ: أَلَيْسَ تُجْزِئُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً؟ قَالَ: بَلَى.
وَكَذَلِكَ - أَيْضًا - إِذَا لَبَّى لِغَيْرِ سَبَبٍ فَإِنَّ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ تَحْصُلُ بِهَا سُنَّةُ التَّلْبِيَةِ ; بِحَيْثُ يَدْعُو بَعْدَهَا إِنْ أَحَبَّ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ أَهَلَّ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، ثُمَّ لَمَّا عَلَا الْبَيْدَاءَ أَهَلَّ بِهِنَّ، وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهُ كَرَّرَهُنَّ فِي حَالَتِهِ تِلْكَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَبَيَّنُوهُ؛ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَمْ يَكُونُوا لِيُغْفِلُوهُ وَيُهْمِلُوهُ، بَلْ ظَاهِرُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ حِينَ قَالَ: " «أَهَلَّ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ» " وَقَوْلُهُ: " «فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً قَالَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ» " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِيهَا مَا يَزِيدُ: كَالنَّصِّ فِي أَنَّهُ إِنَّمَا لَبَّى بِهَذَا وَاحِدَةً. وَقَدْ قَالَ: " «أَرْبَعًا تَلَقَّنْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» -.