وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ اللَّبَّانِيُّ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيَّ، وَذُكِرَ لَهُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَنَا أَحَدًا أَشَدَّ اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ، وَالْآثَارِ مِنْهُ، لَمْ يَكُنْ يَزَالُهُ عَقْلٌ. ثُمَّ قَالَ: جَاءَ سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ إِلَى أَحْمَدَ يَوْمًا فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، تُفْتِي بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ؟ فَقَالَ أَحْمَدُ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَحْمَقُ إِلَى الْيَوْمِ، ثَمَانِيَةُ عَشَرَ حَدِيثًا أَرْوِي عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أُفْتِي بِهِ، فَلِمَ كَتَبْتُ الْحَدِيثَ؟! قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَطُّ إِلَّا وَهُوَ يُفْتِي بِهِ.

وَأَمَّا نَهْيُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَغَيْرِهِمَا عَنِ الْمُتْعَةِ، وَحَمْلُ ذَلِكَ عَلَى الْفَسْخِ أَوْ عَلَى كَوْنِهَا مَرْجُوحَةً: فَاعْلَمْ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَغَيْرَهُمَا نَهَوْا عَنِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مَعَ الْحَجِّ مُطْلَقًا، وَأَنَّ نَهْيَهُمْ لَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.

أَمَّا الْأَوَّلُ: فَهُوَ بَيِّنٌ فِي الْأَحَادِيثِ، قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حَصِينٍ: " «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ، وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهَا، قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَفِي لَفْظٍ: " «تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَحِمَ اللَّهُ عَمْرًا، إِنَّمَا ذَاكَ رَأْيٌ» "، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُتْعَةَ الَّتِي نَهَى عَنْهَا عُمَرُ، أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلُ بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، سَوَاءٌ جَمَعَ بَيْنَهَا بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَفَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ " لَمَّا نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ فَأَهَلَّ عَلِيٌّ بِهِمَا، فَقَالَ: تَسْمَعُنِي أَنْهَى النَّاسَ عَنِ الْمُتْعَةِ وَأَنْتَ تَفْعَلُهَا؟ فَقَالَ: لَمْ أَكُنْ لِأَدَعَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِ أَحَدٍ ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015