لَمْ يَحُجَّ ذَلِكَ الْعَامَ فَلَمْ يَدْخُلْهَا.
وَأَيْضًا: فَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ جَوَازَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَكَانَ هَذَا قَدْ عَلِمُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ، حَيْثُ اعْتَمَرَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ ثَلَاثَ عُمُرَاتٍ، وَأَيْضًا. . .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ أَنَّ فَسْخَ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ لَيْسَ هُوَ شَيْئًا خَارِجًا عَنِ الْقِيَاسِ، وَتَغَيَّظَ عَلَى مَنْ تَوَقَّفَ فِيهِ، وَقَدِ اعْتَرَضُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا يَعْتَرِضُ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ زَمَانِنَا، فَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ نَفْثَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ.
قَالَ جَابِرٌ: فَقَالَ لَهُمْ: " «أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَصِّرُوا، ثُمَّ أَقِيمُوا حَلَالًا حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ، وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً، فَقَالُوا: كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الْحَجَّ؟ فَقَالَ: افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ، فَلَوْلَا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، فَفَعَلُوا» " وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: " فَقُلْنَا «: لَمَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلَّا خَمْسٌ أُمِرْنَا أَنْ نُفْضِيَ إِلَى نِسَائِنَا، فَنَأْتِيَ عَرَفَةَ تَقْطُرُ مَذَاكِيرُنَا الْمَنِيَّ» " قَالَ جَابِرٌ: فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِينَا فَقَالَ: " «قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَصْدَقُكُمْ، وَأَبَرُّكُمْ، وَلَوْلَا هَدْيٌ لَأَحْلَلْتُ كَمَا تُحِلُّونَ، وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ، فَحِلُّوا. فَحَلَلْنَا، وَسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا» ". وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ حَسَنٌ مُبَاحٌ فِي نَفْسِهِ، وَأَنَّ تَوَقُّفَ مَنْ تَوَقَّفَ فِيهِ خَطَأٌ عَظِيمٌ؛ وَلِذَلِكَ تَغَيَّظَ عَلَيْهِ كَمَا تَغَيَّظَ عَلَى مَنْ تَوَقَّفَ عَنِ الْإِحْلَالِ فِي عُمْرَةِ