أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ، فَقَالَ: هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ، فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى، وَالَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ: «فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا».
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُتَمَتِّعِينَ طَافُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَرَّتَيْنِ قَبْلَ التَّعْرِيفِ وَبَعْدَهُ ; لِأَنَّهَا إِنَّمَا عَنَتْ بِقَوْلِهَا: " ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ " الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ؛ وَلِأَنَّ الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إِنَّمَا اقْتَصَرُوا عَلَى طَوَافٍ وَاحِدٍ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَمَّا الطَّوَافُ الْمُفْرَدُ فَقَدْ فَعَلُوهُ بَعْدَ عَرَفَةَ بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ، وَكَانَ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَهَذَا كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّهُ أَوْجَبَ عُمْرَةً ثُمَّ قَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلَّا وَاحِدًا، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ جَمَعْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي، وَأَهْدَى هَدْيًا مُقَلَّدًا اشْتَرَاهُ بِقُدَيْدٍ، وَانْطَلَقَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَوْمَ النَّحْرِ، فَحَلَقَ وَنَحَرَ، وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَمَعْنَى قَوْلِهِ: " قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ، أَنَّهُ قَضَى الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَعْنِي: لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَرَّتَيْنِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ بَعْدَ عَرَفَةَ.
وَلِأَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ لَا بُدَّ مِنْهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ بَيَانًا؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ يُجْزِئُهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ.