وَأَمَّا الدُّعَاءُ فَلَا يَرْفَعُ بِهِ صَوْتَهُ ; لِأَنَّ سُنَّةَ الدُّعَاءِ: السِّرُّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55]، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} [مريم: 3]، وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ جَابِرٌ وَلَا غَيْرُهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَفْظَ دُعَائِهِ، حَيْثُ لَمْ يَسْمَعُوهُ.
وَأَمَّا جَهْرُهُ بِذَلِكَ حَيْثُ يَسْمَعُ الْقَرِيبُ مِنْهُ فَجَائِزٌ، كَمَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَقْصُودٌ صَالِحٌ وَإِلَّا إِسْرَارُهُ أَفْضَلُ.
وَأَمَّا التَّلْبِيَةُ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي أَثْنَاءِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ فَقَدِ اسْتَحَبَّهَا الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُمَا ; لِأَنَّ وَقْتَ التَّلْبِيَةِ بَاقٍ، وَهُوَ مَوْطِنُ ذِكْرٍ، فَاسْتُحِبَّ فِيهِ التَّلْبِيَةُ كَمَا لَوْ عَلَا عَلَى شَرَفٍ غَيْرِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَأَوْلَى لِامْتِيَازِ هَذَيْنِ الشَّرَفَيْنِ بِتَوْكِيدِ الذِّكْرِ.
وَلَمْ يَذْكُرْ أَحْمَدُ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ مِثْلُ الْأَثْرَمِ - هُنَا -: اسْتِحْبَابَ تَلْبِيَةٍ، وَهَذَا أَجْوَدُ ; لِأَنَّ الَّذِينَ أَخْبَرُوا عَنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ: ذَكَرُوا أَنَّهُ كَبَّرَ وَهَلَّلَ وَدَعَا وَحَمِدَ اللَّهَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ -: سَبَّحَ، وَلَوْ كَانَ قَدْ لَبَّى لَذَكَرُوهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُلَبِّ، وَلَوْ كَانَتِ التَّلْبِيَةُ مِنْ سُنَّةِ هَذَا الْمَوْقِفِ لَفَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فَعَلَ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ.