اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنما تدعون سميعاً قريباً، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته" 1، فقال: إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم، لم يقل إنه قريب إلى كل موجود، وكذلك قول صالح عليه السلام: {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} [هود: 61] هو كقول شعيب: {وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود: 90] ، ومعلوم أن قوله: {قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} [هود: 61] مقرون بالتوبة، والاستغفار، أراد به: قريب مجيب لاستغفار المستغفرين التائبين إليه، كما أنه رحيم ودود بهم، وقد قرن القريب بالمجيب، ومعلوم أنه لا يقال إنه مجيب لكل موجود، وإنما الإجابة لمن سأله ودعاه، فكذلك قربه – سبحانه، وتعالى –"2.

وأما"قوله – تعالى – {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] ، وقوله – تعالى-: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لاَّ تُبْصِرُونَ} [الواقعة: 85] ، فإن "سياق الآيتين يدل على أن المراد الملائكة. فإنه قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 16 – 18] فقيد القرب بهذا الزمان، وهو زمان تلقي المتلقيين: قعيد عن اليمين، وقعيد عن الشمال، وهما الملكان الحافظان اللذان يكتبان كما قال: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد} [ق: 18] . ومعلوم أنه لو كان المراد قرب ذات الرب لم يختص ذلك بهذه الحال ولم يكن لذكر القعيدين الرقيب والعتيد معنى مناسب.

وكذلك قوله في الآية الأخرى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لاَّ تُبْصِرُونَ} [الواقعة: 82-85] فلو أراد قرب ذاته لم يخص ذلك بهذه الحال، ولا قال: {وَلَكِن لاَّ تُبْصِرُونَ} [الواقعة: 85] ، فإن هذا إنما يقال إذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015