وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ (?) .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ؛ أَقْرَبُهَا [مَا نَقَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ] (?) ، وَحَاصِلُهُ (*) أَنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ اشْتَمَلَ عَلَى ثَلَاثَةِ مَقَاصِدَ أَسَاسِيَّةٍ:
أَوَّلُهَا: الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي المتضمِّنة لِلْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ الْعَمَلِيَّةِ الَّتِي هِيَ مَوْضُوعُ عِلْمِ الْفِقْهِ وَالْأَخْلَاقِ.
ثَانِيهَا: الْقِصَصُ وَالْأَخْبَارُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِأَحْوَالِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعَ أُمَمِهِمْ، وَأَنْوَاعِ الْهَلَاكِ الَّتِي حَاقَتْ بالمكذِّبين لَهُمْ، وَأَحْوَالِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَتَفاصِيلِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.
ثَالِثُهَا: عِلْمُ التَّوْحِيدِ، وَمَا يَجِبُ عَلَى الْعِبَادِ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَهَذَا هُوَ أَشْرَفُ الثَّلَاثَةِ.
وَلَمَّا كَانَتْ سُورَةُ الْإِخْلَاصِ قَدْ تضمَّنَت أُصول هَذَا الْعِلْمِ، وَاشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ إِجْمَالًا؛ صحَّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ.
وَأَمَّا كيف اشتملت هذا السُّورَةُ عَلَى عُلُومِ التَّوْحِيدِ كُلِّهَا، وتضمَّنت الْأُصُولَ الَّتِي هِيَ مَجَامِعُ التَّوْحِيدِ الْعِلْمِيِّ الِاعْتِقَادِيِّ؟ فَنَقُولُ:
إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {اللَّهُ أَحَدٌ} دلَّت عَلَى نَفْيِ الشَّرِيكِ مِنْ كُلِّ وجهٍ: فِي الذَّاتِ، وَفِي الصِّفَاتِ، وَفِي الْأَفْعَالِ؛ كَمَا دلَّت عَلَى تفرُّده سُبْحَانَهُ بِالْعَظَمَةِ وَالْكَمَالِ وَالْمَجْدِ وَالْجَلَالِ وَالْكِبْرِيَاءِ، وَلِهَذَا لَا يُطلَق لَفْظُ {أَحَدٌ}