وقوله: (أرواح العالمين)
يتعلق بهذه الجملة الكلام في الروح التي بها حياة الناس، وتسمى النفس.
والروحُ موضوعُ حديثٍ طويلٍ للناس، فقد خاض فيه الناس كثيرا بالحق وبالباطل، والناس في شأن الروح وحقيقتها ثلاثة مذاهب:
قوم قالوا: إنها جزء من البدن، أو صفة من صفاته: إما النَفَس الذي تتردد في البدن، ومنهم من قال: إنها الحياة، أو المزاج، أو نفس البدن، وهذه الأقوال منسوبة إلى كثير من المتكلمين.
وقابلهم الفلاسفة فقالوا: إن الروح لا تقوم به أية صفة، فالروح ليست داخل البدن ولا خارجه، ولا مباينة له ولا مداخلة له، ولا متحركة ولا ساكنة، ولا تصعد ولا تهبط، ولا هي جسم ولا عَرَض، وليس لها أية صفة، قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ في التدمرية: (يصفونها بما يصفون به واجب الوجود عندهم، وهي أمور لا يتصف بها إلا ممتنع الوجود) (?)
فهذان القولان على طرفي نقيض، وكل منهما باطل.
والقول الوسط: إن الروح حقيقة موجودة قائمة بنفسها، ولها وجود مستقل عن البدن، فليست كالعرض الذي لا يقوم إلا بجسم؛ لكنها تتصل بالبدن وتنفصل عنه، وتسري فيه سريانا على وجه التقريب كسريان النار في الفحم، وسريان الدهن في الزيتون، وسريان الماء في العود،