الولاة الظلمة، ويجعلون الخروج عليهم واجبا؛ لأنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا مخالف لما دلت عليه النصوص الصحيحة الصريحة المستفيضة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومخالف لما عليه أهل السنة والجماعة، وهو مخالف لقاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإنه يقوم على قاعدة احتمال أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما، فإنكار المنكر المقصود منه هو إزالة المنكر أو تخفيفه، فإذا كان إنكار المنكر يؤدي إلى منكر أعظم لم يجز الإنكار، ولا شك أن الخروج على الأئمة يؤدي إلى إهلاك الحرث والنسل، وفساد دين الناس ودنياهم، فهذا التشريع هو مقتضى الحكمة، فليس تحريم الخروج على الأئمة رضًا بظلمهم وفجورهم؛ بل درءا لما هو أعظم من ذلك، والواقع شاهد بأن ما جاءت به الشريعة هو الغاية في الحكمة وتحقيق المصالح العادلة.
وقوله: (ولا ندعو عليهم).
الدعاء لهم بالصلاح، هذا موجب النصيحة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) (?) والنصيحة أن تدعو لهم بالصلاح، اللهم أصلحهم، اللهم أصلح بطانتهم، اللهم اهدهم صراطك المستقيم، ادعُ لهم لعل الله يصلح حالهم، لكن جرت عادة الناس أنهم لا يلتزمون بهذا المنهج، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: «وشرار أئمتكم الذي تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم» (?) ليس هذا إقرارا، وإنما هذا من قبيل الإخبار بالواقع، ولم يُسَق على وجه التسويغ والتجويز له، فأهل العلم والإيمان، والصلاح والتجرد عن الهوى وإيثار الدنيا يحبون الخير لإخوانهم المسلمين، ولا سيما ولاة الأمر سواء أعطوهم من الدنيا أم لم يعطوهم، وفي الحديث الصحيح: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم