العلي بكل معاني العلو، فله العلو ذاتا وقدرا وقهرا، وهو العظيم الذي لا أعظم منه، فالمخلوقات كلها صغيرة في جنب عظمته، قال تعالى: ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعَاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)) [الزمر: 67].
وقوله: (وهو مستغن عن العرش وما دونه).
خلق الله السماوات والأرض ثم استوى على العرشِ، واستواؤه تعالى على العرش لا يلزم منه حاجته إلى العرش؛ بل هو تعالى مستوٍ على العرش مع غناه عن العرش، وما دون العرش، هو تعالى الممسك للعرش، والسماوات والأرض، ((إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا)) [فاطر: 41]، ((وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ)) [الحج: 65] وليس استواؤه سبحانه على العرش كاستواء المخلوق على ظهر الفلك والأنعام ونحوها من المراكب، فالمخلوق مفتقر إلى ما هو مستو عليه مستقر عليه بحيث لو عثرت الدابة أو غرقت السفينة لسقط أو غرق المستوي عليها، فهو مفتقر إلى ما هو مستوٍ عليه، محتاج ومعتمد عليه، والله بخلاف ذلك، فاستواؤه على العرش لا يستلزم افتقاره ولا حاجته إلى العرش، بل هو مستغنٍ عن العرش وعن كل شيء، هو الغني سبحانه وتعالى عن كل ما سواه، والذين نفوا حقيقة الاستواء زعموا وتوهموا أنه إذا كان تعالى مستوٍ على العرش لزم أن يكون استواؤه كاستواء المخلوق على ظهر الفلك والأنعام، وهذا فهم باطل وقياس للخالق على المخلوق، ولا يظن ذلك إلا جاهل ضال، فاستواؤه على العرش صفة فعلية من جملة أفعاله، وليس هو كاستواء المخلوق، كما يقال مثل ذلك في سائر الصفات، فكما أن علمه تعالى ليس كعلمنا، ولا قدرته كقدرتنا، ولا سمعه وبصره ورؤيته مثلنا، كذلك استواؤه على العرش ليس كاستوائنا، بل صفاته مختصة به مناسبة له لا تماثل صفات المخلوقين.