وقوله: (وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل).
قدر الله وقضاؤه الشامل النافذ له حِكَمٌ وأسرار لا سبيل للخلق إلى معرفتها، فإن الخلق لا يحيطون به تعالى علما، لا بذاته ولا صفاته ولا أفعاله ولا بحكمته في خلقه وأمره، وما دام أن الله تعالى قد استأثر بذلك؛ فلا تطلب ما لا سبيل إلى معرفته، فالله قد استأثر بعلم كيفية صفاته فلا تطلب معرفة ذلك، ولا تسأل: كيف استوى؟ وكيف يغضب؟ وكيف ينزل؟ كل ذلك غير معقول لنا، ولا يمكن لعقولنا أن تصل إليه، كذلك أمر القدر، الله تعالى سبحانه قد استأثر بعلم أسرار القدر، وحِكَمه في أقداره على التفصيل.
فالأشياء التي نبهت عليها النصوص قد تدرك بالتدبر؛ لكن تأمل في خلق الله، هذا يجعله غنيا وهذا فقيرا وهذا بين ذلك، وهذا مؤمنا مهتديا، وهذا ضالا، وهذا عاصيا، وفي الخلق طويل وقصير، وجميل ودميم، وكل التفاوتات التي تلاحظها، أغنى الله هذا دون ذاك، وأفقر هذا دون ذاك، وجعل هذا طويلا، وهذا قصيرا، وجعل هذا عاقلا وهذا غير عاقل وفي الناس: معتوه، وبليد وذكي، ويولد للإنسان العدد من الأولاد أبوهم واحد وأمهم واحدة وتتفاوت خلقتهم وأخلاقهم وعقولهم وحظوظهم، ابحث عن أسرار هذه التخصيصات لا تجدُ إلى ذلك سبيلا.
وقوله: (لم يَطَّلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل) فكيف بمن دونهم؟ إذا كان الرسل الذين هم صفوة الخلق،