أن الله تعالى قال: ((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ)) ولم يقل: من آدم.

وقال تعالى: ((مِنْ ظُهُورِهِمْ)) ولم يقل: من ظهره.

وقال تعالى: ((ذُرِّيَّتَهُمْ)) ولم يقل: ذريته.

والمراد استخراجهم جيلا بعد جيل، من ظهور آبائهم ((وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ)) بما نصبه من الأدلة على ربوبيته سبحانه وإلهيته، وفطر عباده على وحدانيته، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة) (?).

فالآية في ميثاق الفطرة، ومع ذلك هذا الميثاق لم يجعله الله بمجرده هو الحجة على العباد، نعم هو من جملة الحجج؛ لكن الحجة الكبرى هي: إرسال الرسل، قال تعالى: ((وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولَاً)) [الإسراء: 15] وقال سبحانه: ((رُسُلَاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)) [النساء: 165]، فبالرسل قطع الله المعذرة، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين) (?)، فالحجةُ القاطعةُ لحجةِ العباد على ربهم هي: إرسال الرسل، وما هذه المواثيق، وهذه الآيات إلا من حجج الرسل عليهم، ولهذا يحتج الرسل على أممهم فيما أنكروه بما أقروا به، فيحتجون عليهم بإقرارهم بربوبيته تعالى، وأنه خالقهم وخالق السماوات والأرض يحتجون عليهم بهذا الإقرار على وجوب عبادته تعالى وحده دون ما سواه ((اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)) [الأعراف: 59].

ومما تقدم يتبين أن ما ذكر الله هو موجب الدليل، كما في حديث أنس - رضي الله عنه - في الصحيحين (?)، وكما دلت عليه الشواهد من الأحاديث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015