كل يشفع حسب ما يحد له، فإنه لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه سبحانه وتعالى. (?)
وهذه الشفاعة تنكرها الخوارج والمعتزلة (?)؛ لأنها تناقض مذهبهم في تخليد أهل الكبائر في النار، فهم يقولون: إن أهل الكبائر مخلدون في النار، ويستحيل أن يخرجوا منها، واستدلوا بمثل قوله تعالى: ((فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)) [المدثر: 48]، ((مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ)) [غافر: 18].
والشفاعة في إخراج عصاة الموحدين هي التي أشار إليها المؤلف؛ لأنها هي محل النزاع بين أهل السنة والخوارج والمعتزلة.
والرابعة: شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب، فقد سأله عمه العباس - رضي الله عنه - فقال: يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: (نعم، هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) (?)
فأبو طالب بشفاعته - صلى الله عليه وسلم - صار من أهون أهل النار عذابا.
وبهذه يُعلم أن الشفاعة التي تذكر لها الشروط هي الشفاعة في خروج أهل التوحيد من النار، وهي متوقفة على شرطين:
إِذْنُ الله للشافع، ورضاه عن المشفوع له، وذلك بأن يكون من أهل التوحيد، قال تعالى: ((وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئَاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى)) [النجم: 26]، ((مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)) [البقرة: 255]، ((وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)) [الأنبياء: 28]، فلا يرد على ذلك شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في أبي طالب؛ فإنها ليست شفاعة في خروجه من النار بل هي شفاعة في تخفيف العذاب عنه.