وتصدير هذه الآية بالتسبيح دال على عظم الأمر، والإسراء كان بروحه وبدنه يقظة لا مناما؛ فإن الذهاب والانتقال في النوم أمر ليس بمستغرب ولا مستنكر، فهو يحدث لسائر الناس.
ومما يؤكد هذه الحقيقة ما جاء في الحديث الصحيح أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما أخبر قريشا استعظموا ذلك وكذبوه، وسألوه عن أشياء من بيت المقدس، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطّ، فَرَفَعَهُ اللَّهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ» (?) فهذا كله يؤكد أن الإسراء كان بروحه وبدنه يقظة لا مناما.
وكذلك العروج به إلى ما شاء الله من العلا كان بشخصه - صلى الله عليه وسلم - يقظة لا مناما، فهذا هو الأمر الخارق العظيم أن يقطع هذه المسافات ويعود في ليلة.
وفي حديث الإسراء والمعراج أمور كثيرة، فيها أن جبريل عليه السلام صعد به واستفتح له السماء، ثم فتح له، فلقي الأنبياء: آدم وعيسى ويحيى ويوسف وإدريس وهارون وموسى وإبراهيم عليهم الصلاة والسلام، وعند كل سماء يستفتح، فكل سماء لها أبواب وحراس من ملائكة الله، وكل ذلك من الغيب، لا نتصوره ولا ندرك حقائقه، فيستفتح جبريل عليه السلام، فيقول له الملك الموكل بباب السماء: من؟ فيقول: جبريل. فيقول: ومن معك؟ فيقول: محمد - صلى الله عليه وسلم -. فيقول: وهل أرسل إليه؟ فيقول: نعم، فيقول: مرحبا ولنِعم المجيء جاء، عند كل سماء يتجاوزها حتى بلغ سدرة المنتهى، وفرض الله عليه الصلوات الخمس. (?)
وقال بعضهم: إنه كان مناما! واحتجوا برواية شريك بن عبد الله ابن أبي نمر: «واستيقظ وهو في المسجد الحرام» (?) ورد ذلك