وقوله: (ومن لم يتوق النفي والتشبيه زل ولم يصب التنزيه) الناس في باب الأسماء والصفات ثلاث طوائف:
الطائفة الأولى: المعطلة نفاة الأسماء والصفات: الجهمية ورأسهم الجهم بن صفوان ومن تبعه، والمعتزلة ومن وافقهم.
والطائفة الثانية: المشبهة الذين يشبهون الله بخلقه.
فهما طائفتان متقابلتان على طرفي نقيض، المعطلة يزعمون أنهم بنفيهم للصفات يقصدون تنزيه الله عن مشابهة المخلوقات، فأظهروا الباطل بصورة من الحق، فأفرطوا في التنزيه، وتجاوزوا الحدود حتى وقعوا في الإلحاد والضلال البعيد.
والمشبهة أثبتوا لله الصفات لكنهم شبهوه بخلقه، يقول قائلهم: له سمع كسمعنا وبصر كبصرنا، فأفرطوا في الإثبات حتى شبهوا الله بخلقه.
وكلتا الطائفتين زائغتان عن الصراط المستقيم.
والطائفة الثالثة: أهل الصراط المستقيم ـ أهل السنة والجماعة ـ الذين آمنوا بكل ما أخبر الله به عن نفسه، وأخبر به عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فهم يصفون الله تعالى بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، فمذهبهم بريء من التحريف والتعطيل، والتكييف والتمثيل، ولهذا قال نعيم بن حماد ـ رحمه الله ـ ذلك الأثر الجليل: (من شبه الله بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه كفر،