وجهلة الصوفية وغلاتهم يرون أن من التسليم للقدر الاستسلام لكل ما يجري على الإنسان، بحيث لا يطلب خلاف ما يجري عليه، ولا يدفع شيئا من المكروه، حتى يقول قائلهم: إن العارف لا حظ له! أو إنه يصير كالميت بين يدي الغاسل!
قال الإمام ابن تيمية: «فهذا إنما يمدح منه سقوط إرادته التي لم يؤمر بها، وعدم حظه الذي لم يؤمر بطلبه، وأنه كالميت في طلب ما لم يؤمر بطلبه، وترك دفع ما لم يؤمر بدفعه». (?) وهذا كلام باطل، ولا يمكن تحقيقه في الواقع أبدا.
وقوله: (ما سلِم في دينه إلا من سلَّم لله عز وجل ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -) كأنه يظهر من سياق الكلام أنه يريد التسليم لشرع الله في المسائل العلمية الاعتقادية، وفي المسائل العملية؛ فإن الدين يتضمن قسمين:
اعتقادات، وأعمال، قال تعالى: ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ)) [التوبة: 33] الهدى هو: العلم النافع، ودين الحق: العمل الصالح، ((أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمَاً)) [الأنعام: 114]، ((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)) [الأنعام: 57]، قال تعالى: ((وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدَاً)) [الكهف: 26]، قال تعالى في تحكيم الرسول: ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجَاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَاً)) [النساء: 65] لا بد من التسليم لحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقبوله بانشراح صدر، وطيب نفس، لا يتحقق الإيمان كاملا إلا بهذه الشروط: ((حَتَّى يُحَكِّمُوكَ)) وذلك بالإيمان به، وأن ما جاء به حق من عند الله، وأن ما حكم به في كل مسائل الدين هو الحق والعدل والصواب، فإنه - صلى الله عليه وسلم - إنما يحكم بشرع الله وحكمه، ((مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)) [النساء: 80]، ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)) [الحشر: 7]، ((ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجَاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَاً)) [النساء: 65].