والإهانة مثل ما يذكر عن مسيلمة الكذاب الذي ظهر في اليمامة وادعى أنه نبي وذلك في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ بذلك قومه وجعلوه نبياً، وصار يعينه الشيطان في بعض الأمور، فيقال إنهم جاءوا إليه في يوم من الأيام، وقالوا: يا أيها النبي، إن عندنا بئراً قد غار ماؤها، ولم يبق فيها إلا ماء قليل فنريد أن نتبرك بك، فذهب معهم واخذ بعض الماء ليتمضمض به ويمجه في البئر ينتظر أن يرتفع ماؤه، فيقال إنه لما مج الماء في البئر غار الماء الموجود، فصار هذا خارقاً للعادة؛ لأنه ليس من العادة أن يتمضمض إنسان بماء ثم إذا مجه ذهب ماؤه، فهذا خارق للعادة، لكنه إهانة، ودليل على كذبه.
وفي قصة أخرى يقال: إنه جيء إليه بغلام رأسه فيه قزع، يعني بعضه نبت وبعضه ما نبت، فقل له: أيها النبي، امسح على رأس هذا الغلام لعل الله يخرج بقية الشعر، فمسحه فزال الشعر الموجود، وهذا أيضاً إهانة، وهو خارق للعادة؛ لأنه لم تجر العادة أن إنساناً يمسح على شعر فيتحات.
وعلى كل حال فالخارق للعادة أربعة أنواع: أعلاها: الآية، ثم الكرامة، ثم الإهانة، ثم الفتنة.
ثم إن أهل العلم رحمهم الله قالوا: إن كل كرامة لولي فهي آية للنبي؛ لأنه لما كان هذا الولي متبعاً لنبي من الأنبياء - ومعلوم انه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم - ثم أوتي كرامة لتأييد ما هو عليه من الحق، كان ذلك آية للرسول الذي اتبعه.
وقوله: (وكل خارق أتى عن صالح) أي: وكل خارق للعادة أتى عن صالح.