بقي الشيء الواجب، وهو الدعوة إلى الله عز وجل، وإبلاغ الرسالة، والنصح للأمة. فيجب عليهم من ذلك ما لا يجب على غيرهم، فهم ملزمون بالبلاغ بكل حال، وملزمون بالدعوة في كل حال، وملزمون بالجهاد من أمر منهم بالجهاد، ووجوب هذه الأشياء عليهم أو كد من وجوبها على غيرهم، ولهذا نقول: الأمور المسنونة يجب على الرسول عليه الصلاة والسلام أن يبلغها، ويجب أن يفعلها ليقتدي به الناس، وإن كانت أموراً مسنونة، فإذا كان البلاغ لا يحصل إلا بفعلها وجب على الرسول أن يفعلها لوجوب البلاغ عليه.
ومما هو ممتنع في حقهم دعوى الإلوهية أو دعوى الربوبية، ولهذا لما قال الله تعالى لعيسى: (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (المائدة: الآية116) (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) (المائدة: الآية117) .
ومما يجوز عليهم الموت، فهو جائز عليهم شرعاً وواقعاً، قال الله تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (الزمر: 30) ، وقال تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) (الأنبياء: الآية34) ، وقال تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) (آل عمران: الآية144) ، أفإن مات: أي ميتة طبيعية، أو قتل: أي فمات بسبب القتل، انقلبتم على أعقابكم، إذاً فهو ميت.
فإذا قال إنسان: كيف تكون الرسل أمواتاً والشهداء - وهم دونهم - إحياء، كما قال تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران: 169) .