الله بن جدعان وغيره، ومع ذلك لم ينل النبوة، وإنما نالها محمد صلى الله عليه وسلم. ولهذا قال المؤلف رحمه الله:

لكنها فضل من المولى الأجل ... لمن يشا من خلقه إلى الأجل

أفادنا المؤلف رحمه الله في هذا البيت أن النبوة فضل من لله يتفضل بها على من يشاء من عباده، ولهذا لما قال أعداء الرسل للرسل: (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا) (إبراهيم: الآية10) (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) (إبراهيم: الآية11) يعني ما نحن إلا بشر مثلكم، (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) (إبراهيم: الآية11) فالله سبحانه وتعالى هو الذي يمن بالنبوة على من يشاء من عباده، كما يمن بالعلم على من يشاء من عباده، مع أن العلم ربما يحصل بالكسب، لكن هو منة من الله، فكم من إنسان حاول أن يطلب العلم ولكنه عجز.

وأفادنا في قوله: (لمن يشا من خلقه إلى الأجل) أن من كان نبياً فلا يمكن أن تسلب منه النبوة، فالنبوة لها ابتداء وليس لها انتهاء إلا بالموت، يعني لا يمكن أن يكون الإنسان رسولاً ثم تسلب منه الرسالة، لكن يمكن أن يكون غير رسول ثم يُرسل كما هو الأصل؛ فالأصل أنه لا يرسل إلا من كان قد بلغ أشده وبلغ أربعين سنة ليكون تام العقل.

وأما قوله تعالى عن عيسى عليه الصلاة والسلام حين أشارت أمه إليه فقالوا: (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ َصبِيّاً) (مريم: الآية29) (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً) (مريم: 30) (وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ َالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً) (مريم: 31) (وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً) (مريم: 32) ، فقال بعض العلماء رحمهم الله: إن هذا خاص بعيسى عليه الصلاة والسلام، وأما غيره فلابد أن يبلغ أشده ويستوي ويكبر، أما عيسى فإنه آية من آيات الله في خلقه وتكوينه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015