لأن من شرب منه مرة واحدة لم يظمأ بعدها أبداً.
ثم قال: (عنه يذاد المفتري كما ورد) يذاد أي يطرد، والمفتري أي الكافر. قال: (كما ورد) أي كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يُذاد عنه الكافرون، حتى إنه يذاد عنه أناس من أصحابه فيطردون، فيقول: يا رب، أصحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك (?) ، وهذا في الذين ارتدوا على أدبارهم بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم.
قوله (ومن نحا سبل السلامة لم يرد) من نحا: أي من سلك، سبل السلامة: أي طرقها، وجمع المؤلف السبل مع أن سبيل الشرع واحدة، كما قال تعالى (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (الأنعام: الآية153) - جمعها المؤلف - لوجهين:
الوجه الأول: ضرورة الشعر؛ لأن الشعر يضطر صاحبه إلى ما لا يجوز، كما قال صاحب منظومة النحو المسماة ملحة الإعراب.
وجائز في صنعة الشعر الصلف ... أن يصرف الشاعر ما لاينصرف
فوصف الشعر بأنه صلف؛ لأنه لا يعطي الشاعر الحرية في انتقاء الكلمات، بل لابد أن يأتي بكلمة لا ينكسر بها البيت.
الوجه الثاني: انه لم يرد بالسبل عموم الشريعة والملة، إنما أراد بذلك سبل الخيرات، وهي صلوات وزكوات وصيام وحج وبر وصلة وحسن خلق وغير ذلك، فهي بهذا الاعتبار تكون سبلاً.
وقوله: (سبل السلامة) أي السبل التي يحصل بها السلامة من العقوبات في الآخرة، (لم يرد) أي لا يرده أحد عن الشرب من هذا الحوض.