وواجب عليهم أن يفعلوا الفعل الذي أمر به حتماً، و (حتماً) وصف يعود على الأمر، يعني الذي أمر به أمر حتم؛ لأن مأمورات الله عز وجل قسمان: قسم مأمورات حتم، وقسم مأمورات تطوع، فالذي يجب أن يفعل هو ما أمر به حتماً، ولكن ما أمر به تطوعاً قد يكون القيام به فرض كفاية إذا كان تبليغ الرسالة يتوقف عليه، بمعنى إننا لو تركناه لماتت السنة، فهنا ربما يقول قائل: إنه يجب أن يقوم الإنسان بما لم يؤمر به حتماً، ويكون وجوبه هنا لغيره، يعني لئلا تموت السنة لا لإيجاد الفعل، أما إذا كانت السنة مشهورة فمعلوم أن القيام بها ليس على سبيل الوجوب.
قوله: (ويتركوا الذي عنه زجر) يعني يتركوا ما زجر عنه من النواهي، وهذا هو الواجب على كل مؤمن؛ أن يفعل ما أمر الله به وجوباً فيما حتمه؛ واستحباباً فيما ندب إليه، ويترك الذي عنه زجر وجوباً فيما حرمه، وندباً فيما هو مكروه.
وهنا يرد سؤال: هل هناك وظيفة أخرى للإنسان غير العبادة؟
الجواب: لا، ما خلق الإنسان إلا للعبادة فقط، وما عدا ذلك فإنه مكمل للعبادة، حتى تناول المباحات إنما أباحها الشارع لئلا تمل النفوس، لأن النفوس لو بقيت ملزمة بفعل شيء وترك شيء كلت وملت، لكن فسح لها فيما احل الله عز وجل.
ولهذا نجد أن الشارع فسح للنفوس في أيام الفرح أن تتناول ما يفرح ويطرب، مثل الدف في الأعياد، وكذلك في الأعراس، وأباح للنفس أن تنال مطلوبها عند الأحزان؛ فأباح للإنسان أن يحد على الميت ثلاثة أيام،