نحن قد نظن هذا الشيء فساداً وهو صلاح.
فخلق إبليس مثلاً، يقول أهل السنة للمعتزلة: إنه فساد وشر، وهو ينقض عليكم قولكم: إنه يجب على الله فعل الأصلح؛ لأن المعتزلة يقولون: يجب على الله فعل الأصلح، وأهل السنة - كما قال المؤلف رحمه الله - يقولون: لا يجب، لكن سبق أن الصواب التفصيل في ذلك وهو أن يقال: إن خلق إبليس شر من وجه وخير من وجه آخر، فلولا خلق إبليس ما وجد الكفر ولا الفسوق والعصيان، ووجود الكفر والفسوق والعصيان هو مقتضى حكمة الله عز وجل الذي به تتم كلمته ويصدق وعده.
قال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (هود: 118) (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَئنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (هود: 119)) ، فلو كان الناس كلهم على الصلاح فلن تتم كلمة الله بملء النار. إذا فوجود إبليس - وإن كان فيه الشر والفساد - ففيه مصلحة؛ لأن ذلك مقتضى الحكمة الذي يتم به غايات حميدة أرادها الله عز وجل.